عندما أسمع القصص العجيبة في تقديس النساء و الرجال والأطفال و الشيوخ لمهند حتى وصل بهم الأمر لشد الرحال إلى دياره و التبرك بآثاره ، أتفكر في أمر هذا الرجل الذي خطف الأضواء من كل الرجال و أصبح الرجل الأول بالنسبة لكثير من الناس
وجعلت أقارن بينه وبين من تربينا على محبته منذ الصغر و تعلمنا فضل الصلاة عليه و أمرنا بالإقتداء بهديه و سنته ،ويتبادر إلى ذهني مشهد واحد ، مشهد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم واقفاً أمام حوض الكوثر ، والمسلمون محتشدون حوله وقد بلغ بهم الظمأ و التعب مبلغه ، تتعلق أنظارهم بالماء الصافي البارد الذي يناسب من الحوض في أباريق ثمينة من الذهب والفضة.
والرسول الكريم ينظر إليهم بعين تفيض محبة وشوقا للقائهم و يهمُّ بأن يمد يده ويسقيهم من تلك الكؤوس اللامعة ، وفجأة ..
يجد أقوام منهم أيادٍ تدفعهم وتزجرهم وتمنعهم من ذلك الماء العذب ، فيعجب الرسول صلى الله عليه و سلم وهو الرؤوف بحالهم من ذلك ويقول : إنهم مني ، فيقال:إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ .
فيبكي المطرودون ويرجعون بالحسرة و الندامة ، و إذا بالمنادي ينادي ليحشرهم مع من يحبون ، فإذا بهم وقد تعلقت قلوبهم في الدنيا بـمهند فيحشرون معه .
والله أعلم حينها كيف يكون حاله ؟؟
هل يكون مكبلا في الأصفاد وقد اسود وجهه و ذاب جلده و خرجت النيران من أنفه و أذنيه!!
هل تبقي النيران من جماله شيئاً وهل يبقى لمحبته في قلوب الناس مكاناً !!
وكيف يكون منزله ؟؟
هل تكون منازل من نار ، تتزين جدارنها بالمقامع الحديدية و الأغلال، وتزينها أشجار كأنها رؤؤس الشياطين !!
فمن ذا الذي يتمنى أن يرافقه هناك و يكتوي معه بالنار التي لا تبقي ولا تذر !!
حينها ترتفع الأصوات بالصراخ و العويل و النداء باسم خير البشر محمد صلى الله عليه و سلم ، يومئذ ينادي الجميع يارسول الله نحن أمتك نحن المسلمون ، نحن نحبك يا رسول الله ..
فيقال لهم : إنما الحب يترجم بالأفعال ، و المحب يقتفي آثار من يحب و يدافع عن منزله ومكان إقامته و يبذل الغالي و النفيس ليراه أو يرى شيئا من مقتنياته ، و قد بذلتم الغالي و النفيس و اقتفيتم الآثار و قبلتم الديار و لكن ..
ديار مهند و ليست ديار محمد
ألم تتركوا آثار محمد عليه الصلاة و السلام تئن في القدس و تمزق قطعة قطعة كل يوم ، و رأيتم مسراه الشريف و ملتقى الأنبياء تحفر تحته الأنفاق حتى بات معلقاً في الهواء ، فلم تحركوا ساكناً و آثرتم حفظ أموالكم حتى توصلكم لديار مهند تشتروا ثيابه و أغطيته ، فهاهي الآن ثيابه من قطران و أغطيته من نيران تمتعوا بها كما كنتم تستمتعون !
نعم هذه حقيقة كلنا لها سائرون ، فمن منا يتمنى لقاء محمد و من منا يختار أن يلقى مهند ؟؟
هي الأيام تشهد و الأفعال تترجم و الملائكة تكتب ..